“لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك” تملأ جبال مكة ووديانها منذ آلاف السنين حيث يتجاوب الحجاج إلى بيت الله الحرام بترداده بكل تفانٍ وإخلاص. إنه صوت ينبعث من قلوب مؤمنة وأرواح متوهجة.
“لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ “هي تلبية تشرح القلوب وتعبر عن التضرع والتواضع أمام الله عز وجل.
“لبيك اللهم لبيك” تحمل معانٍ عميقة فهي تعبر عن الحب والتعظيم لله وتعكس اقتراب المسلم من خالقه وانغماسه في عبادته. تُشرح هذه التلبية قلوب المؤمنين وتثير رغبتهم في الاقتراب من الله والتفاني في عبادته.
“لبيك اللهم لبيك” تُردَّد بكل انتماء واحترام وليس فقط في أراضي الحج بل في كل أنحاء العالم حيث يقيم المسلمون. فهي تجمع الأمة الإسلامية في تعبير مشترك عن الإيمان والولاء لله. وخاصةً في يوم وقفة عرفات يتفانى المسلمون في ترديد هذه التلبية سواءً كانوا في المسجد أو في منازلهم معتبرين أنها رمز للتقرب إلي الله.
لكن الأكثر حظًا هم الحجاج الذين يرددون “لبيك اللهم لبيك” على جبل عرفات حيث يجتمعون في هذا المكان المقدس ويرتفع صوتهم بالتلبية في شعائر الحج. يعتبر وقوفهم على جبل عرفات وترديد هذه العبارة نقطة فارقة في حياتهم الروحية حيث يبتهلون إلى الله بالدعاء والتوبة ويستشعرون قرب الله ورحمته.
إن تلبية “لبيك اللهم لبيك” تجسد روح الحج والتفاني في عبادة الله وتذكير المسلمين بأنهم جميعًا أمة واحدة متحابة ومتوحدة في عبادتها لله الواحد.
Contents
معني لبيك اللهم لبيك
تتضمن التلبية “لبيك اللهم لبيك” معانٍ عديدة وعميقة منها:
1. إجابة بعد إجابة: تردد هذه العبارة يعكس استمرارية الاستجابة والتجاوب مع دعوة الله فهي تعبّر عن الالتزام الثابت والمتواصل بعبادة الله.
2. الانقياد: تعبّر عن الاستجابة التامة والاستعداد للانقياد والتخلص من الهوى والشهوات الدنيوية والاستعانة بالله للنجاة والإنقاذ.
3. الاستقرار والثبات: تشير إلى الاستقرار والثبات في طاعة الله حيث يكون الحاج ملتزمًا بالبقاء والالتزام في طاعة الله دون انقطاع أو تخلي.
4. المحبة والتعظيم: تعبر عن المحبة العميقة والتعظيم الشديد لله حيث يردد الحاج هذه العبارة بمعنى أنه يحب الله ويعظمه ويبدي ارتباطه القوي به.
5. الإخلاص والخلوص: تشمل التلبية الإخلاص والخلوص الذي ينبع من قلب الحاج حيث يعبّر عن خلوصه وصفاء نيته في العبادة لله وحده.
6. الاقتراب والتقرب: تشير إلى الاقتراب القلبي والروحي من الله ورغبة الحاج في الاقتراب منه بعد الاقتراب الجسدي إلى بيت الله الحرام.
7. روح التوحيد: تلخص التلبية روح التوحيد والإيمان الذي كانت تميزًا لدي سيدنا إبراهيم فهي تعبر عن مفهوم التوحيد الذي يشكل روح الحج وهدفه ويعتبر شعارًا لجميع العبادات والمقاصد الدينية.
باختصار تلبية “لبيك اللهم لبيك” تحمل في طياتها معانٍ دينية وروحانية عميقة تشمل الاستجابة المستمرة الانقياد والثبات والاستقرار المحبة والتعظيم الإخلاص والخلوص الاقتراب والتقرب وروح التوحيد التي تميز الحج وتشكل روح العبادة.
صيغة التلبية
- (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ)[1]
- 2- (لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ)[2]
- 3- (لبيك اللهم لبيك)[3]
- 4- (لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك)[4]
- 5- (لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك. لبيك والرغباء إليك والعمل.)[5]
- 6- (لبيك إله الحق. أو: لبيك إله الحق لبيك)[6]
- 7- (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك مرغوبا أو مرهوبا. لبيك ذا النعماء والفضل الحسن. [رواية أخري: لبيك مرغوبا إليك ومرهوبا منك يا ذا النعماء والفضل])[7]
سنن التلبية
- رفع الصوت: يجب على الرجال رفع أصواتهم عند التلبية في الحج والعمرة.
- عدم رفع الصوت للمرأة: ينبغي للمرأة أن تلبي دون رفع صوتها.
- الإكثار من التلبية: ينبغي للحاج أن يزيد في ترديد الدعاء ويحرص على تكراره بشكل مستمر.
- الانكسار: يجب على الحاج التذلل والانكسار أمام الله والاعتراف بذنوبه والتوبة إليه.
- الأدب: ينبغي للحاج الالتزام بالأدب والتواضع واحترام حرمة البيت الحرام وتجنب الكلام الفاحش والمنكر.
- وقت التلبية: يجب على الحاج البدء في التلبية من الإحرام وإنهاءها بجمرة العقبة في الحج ويمكن للمفرد والقارن التوقف عن التلبية في طوافهم وسعيهم ثم العودة إليها بعد ذلك.
هل يجوز الزيادة على التلبية المعروفة في الحج والعمرة؟
قد ثبتت بعض الزيادات على التلبية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
1. قال نافع: ” وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَزِيدُ فِيهَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ “.[8]
2. ” كانت تلبية عمر: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك مرغوبا أو مرهوبا، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن “.[9]
جميع هذه الزيادات جائزة ومستحبة وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع الصحابة يزيدون في التلبية دون أن ينكر ذلك عليهم. ومع ذلك ينبغي الالتزام بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في التلبية وعدم الإفراط في الزيادات.[10]
لبيك اللهم لبيك
لبيك اللهم لبيك.. ملايين الحجاج ينطقون بالتلبية على صعيد عرفات.. أرواح تتجلى يطلبون المغفرة والنجاة.. أفئدة تشتاق لعفو الله ورحمته.. همم مرفوعة وقلوب مخضوعة تلبيةً لنداء الله الأعظم
لبيك اللهم لبيك.. تلبيةٌ ترتفع بها الأرواح إلى سماء الرحمة والغفران
لبيك اللهم لبيك.. يومٌ يعم فيه السلام والمحبة والتسامح
لبيك اللهم لبيك.. حجٌ عظيم وأجرٌ عظيم ينتظر المؤمنين في هذا اليوم
لبيك اللهم لبيك.. دعوات تصل إلى السماء فتُستجابة برحمة الله الواسعة
لبيك اللهم لبيك.. يومٌ يزول فيه الفرق والاختلافات وتتحقق الوحدة في العبادة
لبيك اللهم لبيك.. تلبيةٌ تهز الأرض وترتفع إلى السماء في دعاء وتضرع
[1] رواه البخاري (5915) ، ومسلم (1184)
[2] رواه أحمد (2/341) وصححه الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” (2146)
[3] رواه مسلم
[4] رواه البخاري
[5] رواه مسلم عن عبد الله بن عمر
[6] رواه ابن ماجه والنسائي في سننهما وصححه الألباني
[7] إسناده صحيح ومروي في المصنف
[8] رواه مسلم (1184)
[9] ابن أبي شيبة في ” المصنف ” (4/283)
[10] الشرح الممتع ” (7/111) بتصرف
